سورة المائدة مدنية، إلّا آية واحدة منها فإنها نزلت بمكة يوم عرفة، من حجة الوداع يوم الجمعة، فما هي هذه الآية؟
الإجابة
هى قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: 3]
قال إبن كثير :
وقوله
: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
هذه أكبر نعم الله عز وجل ، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا
يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ;
ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما
أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه ، وكل شيء أخبر به فهو
حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف ، كما قال تعالى : ( وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا )
[ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي ،
فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم ; ولهذا قال [ تعالى ] ( اليوم أكملت
لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) أي : فارضوه أنتم
لأنفسكم ، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام ،
وأنزل به أشرف كتبه .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( اليوم
أكملت لكم دينكم ) وهو الإسلام ، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم
والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا ، وقد أتمه
الله فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا .
وقال أسباط عن
السدي : نزلت هذه الآية يوم عرفة ، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، ورجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات . قالت أسماء بنت عميس : حججت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة ، فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل ،
فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة ، فلم تطق الراحلة من ثقل
ما عليها من القرآن ، فبركت فأتيته فسجيت عليه بردا كان علي .
قال ابن جريج وغير واحد : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما .
رواهما
ابن جرير ، ثم قال : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن فضيل ، عن هارون بن
عنترة ، عن أبيه قال : لما نزلت ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وذلك يوم الحج
الأكبر ، بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك؟ " قال :
أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذ أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص
. فقال : " صدقت " .
ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت : " إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء " .
وقال
الإمام أحمد : حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس ، عن قيس بن مسلم ،
عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه
] فقال : يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم ، لو علينا معشر
اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : وأي آية؟ قال قوله : ( اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم
الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والساعة التي نزلت فيها على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزلت عشية عرفة في يوم جمعة .